شهدت مصر نجاحاً باهراً في تنفيذ مشروع بنبان للطاقة الشمسية، الذي يُعدّ من أكبر مشاريع الطاقة النظيفة في العالم، ومع ذلك، فأن ارتفاع تعريفة شراء الطاقة فى المرحلتين الاولى والثانية وربطهما بالدولار الأمريكي ادى إلى عجز مالي طويل الأمد بسبب ارتفاع قيمة شراء الطاقة الكهربائية عن قيمة بيعها للمشتركين وكذلك تقلبات سعر الصرف، ومع زيادة هذا العجز سنوياً، بات من الضروري البحث عن حلول مبتكرة لتخفيف العبء المالي وتحقيق التوازن الاقتصادي.
أحد الحلول الممكنة والواعدة يتمثل في بيع شهادات الكربون الناتجة عن المشروع لتعويض العجز السنوي وتحقيق أرباح محتملة، ويصبح مشروع بنبان مثالاً ناجحاً لتحويل الأعباء الاقتصادية إلى فرص استثمارية من خلال الاستفادة من سوق الكربون العالمي.
العجز المالي مقابل شهادات الكربون: نظرة تحليلية
يوفر مشروع بنبان حوالي 1.3 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنويًا (وفقًا للحسابات والافتراضات الواردة في مقالي السابق)، مما يتيح فرصة لإصدار شهادات كربون تعادل هذا الرقم وبيعها في الأسواق العالمية.
يُظهر الجدول التالي السعر اللازم لكل طن من الكربون لتعويض العجز المالي السنوي وتحقيق التوازن المالي للمشروع بشكل مستدام:
كيف يمكن أن تغطي شهادات الكربون العجز؟
أسعار شهادات الكربون في الأسواق العالمية
تتراوح أسعار شهادات الكربون في الأسواق العالمية بين 15 الى 60 دولاراً للطن الواحد، وفي بعض الحالات تصل إلى 100 دولار إذا كانت المشاريع عالية الجودة ومطابقة للمتطلبات العالمية ، وإذا تمكنت وزارة الكهرباء والحكومة المصرية من التسويق الجيد لبيع الشهادات بأسعار مناسبة لتعويض العجز المالى بل ايضا يمكن تحقيق ارباح وتقاسمها مع المستثمر، خاصة إذا تم استهداف المشترين المهتمين بالاستثمارات المستدامة.
لماذا لم تطالب وزارة الكهرباء بالاستفادة من شهادات الكربون؟
رغم الإمكانات الهائلة التي يوفرها مشروع بنبان للطاقة الشمسية لإصدار وبيع شهادات الكربون، إلا أن هناك العديد من التساؤلات حول غياب الاستفادة الفعلية من هذه العوائد التي يمكن أن تعوّض الأعباء المالية الناتجة عن المشروع. وفيما يلي ثلاثة محاور رئيسية لتفسير هذا الغياب:
1. غياب استراتيجية واضحة
يبدو أن وزارة الكهرباء لم تتبنَّ استراتيجية واضحة للاستفادة من شهادات الكربون، سواء من خلال تسويقها أو إدراجها ضمن العقود الأصلية للمشروع (إن كان هذا هو الواقع). هذا النقص في التخطيط قد يكون نتيجة تركيز الجهود على الجوانب الفنية والبنية التحتية للمشروع، دون الالتفات إلى فرص الإيرادات الإضافية من شهادات الكربون، خاصة مع غياب رؤية استشرافية حول أهميتها في حينها.
2. غياب التنسيق بين الجهات المعنية
إدارة شهادات الكربون تتطلب تعاوناً وتنسيقاً وثيقاً بين وزارة الكهرباء، وزارة البيئة، ووزارة المالية. من المحتمل أن غياب التنسيق أو عدم وضوح الأدوار بين هذه الجهات كان عائقاً أمام تحقيق الاستفادة الكاملة. ومع تصاعد الأعباء الاقتصادية الناتجة عن المشروع، أصبح من الضروري الآن إعادة صياغة الأدوار والمسؤوليات لضمان تعويض الخسائر المالية التي يتكبدها الاقتصاد القومي.
3. سؤال جوهري: أين ذهبت العوائد إن وُجدت؟
إذا تم إصدار شهادات الكربون وبيعها بالفعل، يجب طرح تساؤلات مشروعة:
أين ذهبت العوائد؟
هل تم تخصيصها لتقليل العجز المالي الناجم عن المشروع؟
أم تم استخدامها في مجالات أخرى؟
وهل توفرت شفافية في الإعلان عن هذه العوائد وأوجه استخدامها؟
من المهم في هذه المرحلة أن تُعلن الوزارة بشكل واضح وشفاف عن أي عوائد محتملة من شهادات الكربون، وأن تُقدم خطة واضحة لاستغلال هذه الإيرادات مستقبلاً لسداد العجز وتعظيم العوائد الوطنية من المشروع.
وفي ضوء ذلك ، تبرز نقطة مثيرة للتأمل ، فمن الغريب أن من ساهموا في اتخاذ قرارات وضعت مصر في هذا الاسر الاقتصادي ، عن جهل او عن قصد ، ينالون التكريم والجوائز ويستمرون في المشاركة والفعاليات ، بينما نجد من قالوا كلمة حق وفى حينه تم تنحيتهم وخروجهم من مسار اتخاذ القرار، إنها مفارقات تعكس خللاً في ادبيات العمل والمسؤولية على الاقتصاد الوطني ومستقبل الأجيال
التحديات والحلول
التحديات:
تقلب أسعار سوق الكربون:
تتأثر أسعار الكربون بالعرض والطلب العالمي، مما قد يؤدي إلى تقلب الإيرادات.
تكاليف إصدار الشهادات:
إصدار شهادات الكربون يتطلب التزاماً بمعايير دولية مثل Gold Standard أو VCS، وهو ما يضيف تكاليف إدارية.
الحلول المقترحة:
وضع خطة وطنية لشهادات الكربون:
إعداد خطة واضحة ومتكاملة لإدارة وتسويق شهادات الكربون علما بان مصر اطلقت سوق الكربون.
تعزيز الشفافية:
إعلان التقارير المالية المتعلقة بالعوائد واستخدامها لضمان الثقة بين الجمهور والجهات المعنية.
شراكات دولية:
يمكن التعاون مع شركات عالمية للاستفادة من خبراتها في إدارة وبيع الشهادات.
الملخص
إن بيع شهادات الكربون الناتجة عن مشروع بنبان يُعد فرصة غير مستغلة لتخفيف العجز المالي او حتى تحقيق أرباح وخاصة ان سعر شهادات الكربون مرتبطة مباشرة بالدولار ، ومع وجود العديد من التساؤلات حول سبب غياب الاستفادة من هذه الفرصة، أو أين ذهبت عوائدها إن وُجدت، يبقى من الضروري وضع استراتيجية وطنية شفافة وفعّالة لتعظيم الاستفادة من أسواق الكربون العالمية، بما يعزز مكانة مصر في مجال الطاقة المتجددة ويخفف من الأعباء المالية طويلة الأمد