يمثّل الهيدروجين الأخضر في الهند فرصة واعدة تجمع بين تحقيق التوسع الاقتصادي مع الحفاظ على خططها في الوصول للحياد الكربوني بحلول عام 2070.
وتواجه الهند تحديًا كبيرًا مع استمرار نمو اقتصادها بوتيرة سريعة، وسعيها لتقليص الانبعاثات، في ظل توقعات زيادة الطلب على الكهرباء الذي قد يرتفع بنسبة 35% حتى عام 2030.
وبصفته جزءًا من التزاماتها الدولية بالمناخ بموجب اتفاقية باريس، تعمل الهند على تحقيق هدف طموح يتمثّل في توليد 500 غيغاواط من الكهرباء من مصادر طاقة غير أحفورية بحلول عام 2030.
وشهدت البلاد تركيب نحو 152 غيغاواط من الطاقة المتجددة بحلول أغسطس/آب 2024، بما في ذلك 89 غيغاواط من الطاقة الشمسية و47 غيغاواط من الرياح، وفق بيانات حكومية اطلعت عليها وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن).
الهيدروجين مفتاح لمواجهة التحديات
قد يشكّل الهيدروجين الأخضر في الهند مفتاحًا رئيسًا لمعالجة تحديات التحول للطاقة النظيفة خصوصًا في القطاع الصناعي، في ظل سعيها لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2070.
ويوجد العديد من القطاعات الصناعية التي يمكن للهيدروجين الأخضر ومشتقاته أن تؤدي فيها دورًا حيويًا في خفض الانبعاثات.
على سبيل المثال، يمكن استعمال الهيدروجين الأخضر في عمليات إنتاج الصلب بدلًا من العناصر الأكثر انبعاثًا للكربون، ما يقلّل بشكل كبير من البصمة الكربونية لتلك الصناعة.
كما يمكن دمج الهيدروجين الأخضر منخفض التكلفة مع ثاني أكسيد الكربون الملتقط، لإنتاج الميثانول، وهي مادة كيميائية متعددة الاستعمالات.
وأطلقت البلاد إستراتيجيتها الوطنية للهيدروجين الأخضر حتى عام 2030، في إشارة تعكس تبنيها الهيدروجين الأخضر بصفته وسيلة لتلبية احتياجات الطاقة المتزايدة، للحد من الانبعاثات في الوقت نفسه.
وتهدف الهند إلى إنتاج 5 ملايين طن متري من الهيدروجين الأخضر سنويًا بحلول 2030، رغم أن إمكاناتها أعظم من ذلك، إذ تشير تقديرات، اطلعت عليها وحدة أبحاث الطاقة، إلى قدرتها على إنتاج 10 ملايين طن سنويًا بحلول التاريخ نفسه.
تسريع الهيدروجين الأخضر في الهند
حدّد تقرير حديث صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي وشركة باين آند كومباني العديد من الخطوات التي يمكنها تسريع تبني الهيدروجين الأخضر في الهند.
وشملت تلك الخطوات خفض تكاليف إنتاج الهيدروجين إلى أقل من دولارين لكل كيلوغرام، عبر خفض كلفة توليد الطاقة المتجددة إلى دون 0.02 دولارًا لكل كيلوواط، ودعم الخفض السريع في أسعار المحللات الكهربائية.
ويمكن أن يُسهم انتشار المراكز الصناعية المعتمدة على الهيدروجين الأخضر مصدرًا للطاقة في تحقيق تلك الخطوات، خاصة تلك الموجودة بالقرب من المواني الرئيسة.
وتتيح تلك المراكز فرصًا أفضل لتكوين منصة إستراتيجية من شأنها دعم مشاركة الموارد وتحسين الطلب وتقليل التكلفة فيما يتعلق بالهيدروجين الأخضر، مستفيدة من وجود عدد كبير من الشركات والمصانع في الموقع نفسه.
دور التجمعات الصناعية
يؤكد التقرير أن التجمعات الصناعية ستؤدي دورًا حاسمًا في تعزيز طموحات الهيدروجين الأخضر في الهند، خاصة تلك الواقعة في المناطق ذات موارد الطاقة المتجددة الكبيرة والبنية التحتية المتطورة.
ويشير التقرير إلى أن هناك 3 أسباب وراء هذا الاعتقاد، على رأسها قرب التجمعات الصناعية الواقعة من موارد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الوفيرة، وهو ما يعظّم كفاءة تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر في الهند.
وهذا من شأنه أن يخفض تكاليف الإنتاج الإجمالية للهيدروجين الأخضر، ما يساعد على تحقيق هدف الإنتاج بأقل من دولارين للكيلوغرام لإنتاج الهيدروجين.
السبب الثاني هو أن التجمعات الناجحة لديها القدرة على دمج إنتاج الهيدروجين مع العمليات الصناعية المحلية وأنشطة التصدير، من خلال إنتاج الهيدروجين واستعماله في صناعات مثل الصلب والمواد الكيميائية أو تصديره على هيئة أمونيا خضراء.
امتلاك تلك التجمعات بنية تحتية متقدمة هو العامل الثالث وراء الاعتقاد أنه يمكنها تعزيز طموحات الهيدروجين، إذ تمتلك تلك التجمعات خزانات للهيدروجين وخطوط الأنابيب ومحطات التصدير، وهي مجهزة بصورة أفضل لتلبية الطلبَين المحلي والدولي.
تجمع موندرا نموذجًا
يعطي تجمع موندرا على الساحل الغربي في الهند مثالاً جيدًا على التجمع الصناعي الذي يمكن أن يدعم قطاع الهيدروجين، حيث يقع بالقرب من “ران كوتش”، وهو مكان يتمتع بموارد طاقة متجددة وفيرة.
وعلى بعد 150 كيلومترًا فقط من تجمع موندرا، يجري تطوير أكبر مجمع للطاقة المتجددة في العالم، إذ سيضم منشأة خافدا التي تبلغ قدرتها 30 غيغاواط من طاقتي الشمس والرياح عند اكتمالها.
ميزة أخرى يتمتع بها هذا التجمع، وهو وقوعه بالقرب من ميناء موندرا الهندي الرئيس، ما يسهل -أيضًا- نقل الهيدروجين الأخضر والأمونيا إلى الأسواق العالمية.
معالجة التحديات
لا توفر هذه التجمعات الصناعية نماذج قابلة للتطوير لإنتاج الهيدروجين الأخضر في الهند فحسب، بل إنها تضع الأساس للبنية التحتية التي يمكن أن تدعم كلًا من الاحتياجات المحلية للهند وتضمن التزامها بالمبادرات العالمية.
وإذا تمكّنت نيودلهي من التركيز على تطوير هذه المراكز الصناعية، فإنها تضع نفسها في مصافّ الدول القادرة على التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة.
ويتطلّب إطلاق العنان لإمكانات الهيدروجين الأخضر في الهند معالجة العديد من التحديات الرئيسة، على رأسها خفض تكاليف الإنتاج والنقل، وتوسيع البنية الأساسية وإنشاء أطر تنظيمية داعمة لهذا القطاع.
ومن شأن تغلّب الهند على هذه العقبات أن يضمن قدرة الهيدروجين الأخضر على دعم أهداف التنمية المستدامة الطموحة لديها وتعزيز ريادتها في مجال الطاقة النظيفة العالمية.
موضوعات متعلقة..
- تأمين إمدادات الطاقة بأسعار معقولة يضع الهند أمام تحديات ضخمة (مقال)
- قطاع الطاقة المتجددة في الهند يترقب إضافات قياسية
- حصة الطاقة المتجددة في الهند قد ترتفع إلى 35% من مزيج الكهرباء بحلول 2030
اقرأ أيضًا..
- إنتاج النفط الصخري الأميركي لن يتأثر بنتائج الانتخابات الرئاسية.. ما الأسباب؟
- سفينة أبحاث تركية تعبر قناة السويس مصحوبة بفرقاطة تأمين.. أين تتجه؟
- بقيادة السعودية.. ارتفاع واردات النفط الأميركية من 5 دول عربية
إقرأ: طموحات الهيدروجين الأخضر في الهند.. هل تلبي أهداف الاستدامة العالمية؟ على منصة الطاقة